ثمن الحقيقة: الصحافة الفلسطينية بين الشهادة والاعتقال



ثمن الحقيقة: الصحافة الفلسطينية بين الشهادة والاعتقال


في كل حرب تكون الكاميرا والقلم في مرمى النيران، لكن حرب غزة الأخيرة جعلت الصحافة نفسها هدفًا مباشرًا. الصحفي الفلسطيني لم يعد مجرد ناقل للحقيقة، بل أصبح جزءًا من قائمة الضحايا التي تتسع يومًا بعد يوم، في مشهد غير مسبوق عالميًا.



تشير الأرقام الصادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إلى أنّ عدد الصحفيين الذين ارتقوا شهداء منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023 وحتى أغسطس 2025 تجاوز 230 صحفيًا، بينهم ما يقارب 30 صحفية. بينما وثّقت مؤسسات دولية كـ اللجنة لحماية الصحفيين (CPJ) والاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ) أرقامًا أقل، تتراوح بين 174 إلى 178 شهيدًا. ورغم اختلاف الإحصاءات باختلاف المصادر، فإن القاسم المشترك بينها جميعًا هو أن قطاع غزة تحوّل إلى أخطر منطقة في العالم للعمل الإعلامي.


لكن مأساة الصحفيين لم تتوقف عند الشهداء، بل امتدت إلى المعتقلين والأسرى. فبحسب نقابة الصحفيين الفلسطينيين، ما يزال قرابة 49 صحفيًا يقبعون في سجون الاحتلال، معظمهم رهن الاعتقال الإداري، دون توجيه تهم واضحة أو محاكمات عادلة. هذه السياسة، وفق تقارير حقوقية، تهدف إلى إسكات الأصوات وتقييد حرية نقل الرواية الفلسطينية إلى العالم.


كما شهدت الحرب إصابة العشرات من الصحفيين بجروح مختلفة أثناء تغطية القصف والاشتباكات الميدانية، بعضهم فقد أطرافًا أو بصرًا نتيجة الاستهداف المباشر. ومع ذلك، استمر كثيرون منهم في أداء رسالتهم، في مشهد يجسّد شجاعة مَن جعلوا من أرواحهم درعًا لحماية الحقيقة.



المنظمات الدولية بدورها عبّرت عن قلق متزايد. فقد وصفت الأمم المتحدة استهداف الصحفيين في غزة بأنه "غير مسبوق" ودعت إلى تحقيقات مستقلة ومحاسبة المسؤولين. أما CPJ، فأكدت أن معدل قتل الصحفيين في غزة خلال العام الأخير تجاوز ما شهدته مناطق نزاع أخرى على مدار عقود.


ورغم حجم الفقدان والخطر، يصر الصحفيون الفلسطينيون على البقاء في الميدان، حاملين الكاميرا والميكروفون كأدوات مقاومة. وفي الوقت الذي يسقط فيه الزملاء واحدًا تلو الآخر، يتحول العمل الصحفي في فلسطين إلى شهادة على معاناة شعب، ورسالة إلى العالم بأن الحقيقة لا يمكن أن تُدفن تحت الركام.



إن قصة الصحافة الفلسطينية اليوم ليست مجرد أرقام، بل ملحمة إنسانية عن شجاعة مَن دفعوا حياتهم أو حريتهم ثمنًا لنقل الصورة. ومن خلال دمائهم وأقلامهم، بات العالم أكثر وعيًا بقضية فلسطين، وأكثر إدراكًا أن الحقيقة أغلى من أن تُشترى أو تُسكت.

إحصائية لعدد ضحايا الصحافة ما بين قتلٍ وإعتقال ونزوح

https://infogram.com/journalists-in-gaza-1h9j6q7w91vzv4g

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ارتفاع الرقم القياسي لكميات الإنتاج الصناعي في فلسطين خلال أيار 2025 بنسبة 3.57%

نصف الفلسطينيين يستخدمون تيك توك: المنصة تواصل صعودها في فلسطين